فصل: مسألة البكر يغيب عنها أبوها الغيبة البعيدة أينكحها السلطان أو الولي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الرجل يشتري الأمة على أن ينكحها عبده:

ومن كتاب الصبرة:
وقيل في الرجل يشتري الأمة على أن ينكحها عبده، فوجبت له على ذلك، وأنكحها العبد: إن البيع مفسوخ، إن لم تفت الأمة، ويفسخ النكاح أيضا، وإن فاتت كان عليه قيمتها يوم اشتراها ويفسخ النكاح؛ لأن مالكا قال: لا يكون نكاح وبيع، فإن أراد ذلك سواء كان الشرط عند البيع في نكاحها أو نكاح غيرها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه لا فرق بين أن يكون الشرط في نكاحها، أو نكاح غيرها، لما يخشى في ذلك من أن يكون البائع قد ازداد في ثمن الأمة التي باعها مقدار ما نقد المبتاع في تزويجها من عبده، فيكون الفرج موهوبا بلا صداق، وكذلك لو باعها منه على أن يزوجها منه، أو على أن يزوج أمة له أخرى منه أو من عبده، أو على أن يزوج وليته منه، الحكم في ذلك كله سواء، وقد مضى في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده، من سماع عيسى، القول في حكم اجتماع البيع والنكاح في صفقة واحدة مستوفًى، فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان:

قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل يوصي في مرضه فيقول:
إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان، إن ذلك جائز.
قلت: كبيرا كان ابن أخيه أو صغيرا، قال: نعم أراه جائزا، ولم أسأل مالكا عن كبير ولا صغير.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة في بعض روايات المدونة وزاد فيها، ولابنة صغيرة، وهو معنى المسألة، وقوله في هذا النكاح: إنه جائز، يريد إن قبله ابن أخيه إن كان كبيرا أو وليه إن كان صغيرا. قال سحنون: وإنما يجوز النكاح إن قبله الزوج بقرب ذلك، وهذا على اختلافهم في الرجل يزوج الرجل الغائب، وقيل: يجوز إن أجازا بالقرب، وقيل: يجوز، وإن أجازا بالبعد على ما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، ولو قال: إن مت من مرضي فزوجوا ابنتي من ابن أخي أو من فلان، فجاز النكاح، وإن طال الأمر قبل القبول، وكذلك لو قال: زوجوها منه بعد عشر سنين، أو بعد بلوغها لجاز، وإنما افترق ذلك؛ لأن النكاح في الأول من الميت لازم للابنة بموته، إن قبله الزوج بالقرب، على الاختلاف المذكور، ولأنه في المسألة الثانية من الوكيل لا من الميت، وقد حكى ابن حارث عن يحيى بن عمر أنه قال: وسواء طال الأمر، أو لم يطل، على قياس قول ابن القاسم، يريد على قياس قوله في رسم حلف من سماع ابن القاسم إذ جعل قوله فيها: فقد وصيته بابنتي، راجعا إلى معنى الوصية بتزويجها، فيلزمه على قياس ذلك أن يجعل قوله في هذه المسألة: فقد زوجته ابنتي، راجعا إلى معنى الوصية بتزويجها، فيجوز قبوله لذلك في القرب والبعد، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، إذ لم يفرق فيهما بين قرب ولا بعد، واختلف إذا قال في صحته: إن مت فقد زوجت ابنتي فلانا، فأجازه أشهب. وقال ابن القاسم: لا يجوز إلا في المرض.
قال محمد بن رشد: وهو أصوب؛ لأنه إذا كان في الصحة فكأنه إلى أجل، ولعل ذلك يطول، كالذي يقول: إذا مضت سنة فقد زوجت ابنتي فلانا، وقول أشهب عندي أحسن؛ لأنه إذا حمله على الوصية فلا فرق بين الصحة والمرض في الوصية، ووجه قول ابن القاسم أنه حمله في الصحة على البت، فلم يجزه، وفي المرض على الوصية، فأجازه في القرب والبعد، على ما حكيناه عنه. وحمله محمد على البت في الصحة والمرض، فلم يجزه في الصحة لطول الأمر، كالذي يقول: إذا مضت سنة فقد زوجت ابنتي من فلان، وأجازه في المرض، كالذي يقول: إن مضى شهر فقد زوجت ابنتي من فلان، إن النكاح جائز إن رضي فلان لازم بمضي الشهر، وإنما قال في المدونة في الذي قال إذا مضى الشهر، فأنا أتزوجك، ورضيت بذلك المرأة والولي، إن النكاح باطل، من أجل أن قوله: فأنا أتزوجك ليس بالتزام، فيكون نكاح له فيه خيار. وقد قال بعض من تكلم على مسائل المدونة: إنه إنما قال النكاح باطل على أنه عنده التزام، والأول أظهر والله أعلم.

.مسألة الرجل يوصي أن تزوج ابنته رجلا سماه، فتُنكر ذلك الابنة بعد موته:

ومن كتاب الصلاة:
وقال في الرجل يوصي أن تزوج ابنته رجلا سماه، فتُنكر ذلك الابنة بعد موته، وتقول: لا يلزمني ما أوصى به، إذ لم يعقد على النكاح، قال: الوصية لها لازمة، إلا أن يأبى الرجل الذي سماها له أن يتزوجها.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم، وذكرنا هناك أنه يتحصل فيها ثلاثة أقوال، فلا معنى لإعادة ذلك. وبالله التوفيق.

.مسألة رجل تزوج بصداق إلى ميسرة:

ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع للتجارة:
وقال في رجل تزوج بصداق إلى ميسرة إنه إن كان مليا يوم وقع النكاح بهذا الشرط، فالنكاح جائز، وله عليهم أن ينتظروه بقدر ما يرى من التوسعة على مثله، قال: وإن كان معسرا فموقع النكاح بهذا الشرط، فإنه إن نظر فيه قبل البناء فسخ، وإن نظر فيه بعد البناء مضى، وفرض لها صداق مثله، وبطل الصداق الأول للذي وقع بالمكروه.
قال محمد بن رشد: أما الذي تزوج بصداق إلى ميسرة وهو معسر، فلا إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد كما قال؛ لأنه أجل مجهول. وأما إذا كان مليا فأجازه ابن القاسم في هذه الرواية، ورآه مثل ما جوز من البيع على التقاضي، وهو إلى غير أجل سمياه، إلا أنه معلوم بالعرف، فكذلك هذا معلوم بما يعرف من حاله، فينظر إلى ما يعلم أن الصداق يتيسر له إليه من المدة. وحكى ابن حبيب أن أصبغ ذكر أن ابن القاسم كان يجيزه ويجعله حالا، وليس ذلك بخلاف لما قلناه؛ لأنه وإن سماه حالا فلابد أن ينظر به على قدر ما يرى أنه يتهايأ له من غير أن يفسد فيه متاعه، ويبيع أصوله، بالغا ما بلغ، وهذا كمن أسلف رجلا سلفا حالا، فإنه لا يؤخذ به في الحين، ولابد من أن يؤجل فيه على قدر ما يعلم من القصد في ذلك بالعرف والعادة، وابن الماجشون يراه أجلا مجهولا يفسخ به النكاح قبل الدخول. ويقوم من تعليل ابن حبيب لقول ابن الماجشون، إجازته إذا لم يكن معه نقد معجل، بخلاف إذا كان معه نقد معجل، ولو قيل في هذه التفرقة بالعكس لكان أشبه، من أجل أن الضرر يقل إذا كان معه نقد معجل، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن النكاح في باب الصداق، أوسع من البيوع؛ لأنه يجوز فيه من الغرر والمجهول، ما لا يجوز في البيع. من ذلك النكاح على عبد غير موصوف، وعلى شوار بيت، وما أشبه ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة رجل يتزوج امرأة ويشترط عليه أن كل جارية يتسررها عليها فهي حرة:

وقال: في رجل يتزوج امرأة ويشترط عليه، إن كل جارية يتسررها عليها فهي حرة، وللرجل يوم اشترط عليه هذا الشرط أمهات الأولاد فيطأهن بعد الشرط، إن اليمين تلزمه فيهن، فيحنث بما اشترط عليه من التسرر. بأنه إذا مسهن بعد اليمين، فالمسيس تسرر، وذلك أن التي تشترط ألا يتسرر عليها، إنما تشترط ألا يمس معها غيرها، فإذا مس أمهات أولاده فقد حنث، قال أبو زيد بن أبي الغمر، وأصبغ مثله، وسئل عنها سحنون، فقيل له: الرجل ينكح المرأة، وله أمهات أولاد، فتشترط عليه ألا يتسرر عليها، فإن فعل فهي حرة، فقال: لا شيء عليه في أمهات أولاده اللاتي كن عنده قبل النكاح، وإنما يلزمه الشرط فيما يستقبل من الإماء بعد عقدة النكاح.
قال محمد بن رشد: رآه ابن القاسم حانثا للوجهين اللذين ذكرهما: أحدهما مراعاة اللفظ، وذلك أن الوطء نفسه يسمى تسررا في اللسان. والثاني مراعاة المعنى، وهو ما يعلم من أن القصد بالشرط ألا يطأ معها غيرها، ووجه قول سحنون أنه حمل الشرط على ما هو التسرر عند عامة الناس، وإن خالف ذلك موضوع اللسان، وذلك أن التسرر عند الناس إنما هو وطء الجارية ابتداء مع العزم على اتخاذها لذلك، فلا يقولون لمن وطئ في يوم من الأيام أم ولده، أو جارية قد كان يطأها، أو خادما دون ألا ينوي العودة لذلك، إنه تسرى في ذلك اليوم على امرأته، وهذا نحو ما في المدونة في الذي يحلف ألا يأكل بيضا فأكل بيض السمك، أنه لا يحنث من أجل ذلك، لا يسمى بيضا عند الناس، وإن كان في اللسان بيضا وبالله التوفيق.

.مسألة يغيب عنها زوجها فتنكح ثم يقدم فتزعم أنه نعي لها ولم ترفع ذلك إلى الإمام:

وسألته عن المرأة يغيب عنها زوجها فتنكح، ثم يقدم فتزعم أنه نعي لها ولم ترفع ذلك إلى الإمام، ولم يكن الذي ادعت فاشيا، أترى أن ترجم؟ فقال: لا أرى عليها رجما كذلك، قال مالك: وإنما أرى ذلك يسقط عنها للشبهة التي ادعت، ولكن يفسخ نكاح الثاني، وتعتد من مسيسه، ويكون الأول أحق بها، فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق.
قال محمد بن رشد: قوله: إنها لا ترجم للشبهة التي ادعت، صحيح؛ لأنه نكاح صحيح في ظاهره، يثبت فيه نسب ولد الزوج، ولو أقرت على نفسها أنها تزوجت دون أن ينعى لها، وهي تعلم أنه حي لم يمت، وأن ذلك لا يحل لها، لحدث، وثبت نسب ولدها من الزوج الذي تزوجت على كل حال، إن كان تزوجها بعد حيضة، وأتت بالولد لما يلحق لمثله الأنساب، وأما قوله: إن النكاح يفسخ، وتعتد من مسيس الزوج، ويكون أحق بها، فإن شاء أمسك وإن شاء طلق، فهو كما قال، ومثله في المدونة، ولا اختلاف في ذلك. وسواء في هذا تزوجته دون أن يُنْعَى لها، أو بعد أن نُعي لها، ببينة أو بغير بينة، كان الشهود شهود زور، أو كانوا عدولا، فشبه عليهم. وإنما يفترق ذلك فيما بيع من ماله، فإن كان الشهود شهود زور، كان أحق بماله حيث ما وجده، وله أن يجيز البيع بأخذ الثمن إن شاء، وبأخذ الأمة وقيمة ولدها، وقيل: يأخذ قيمتها يوم الحكم، وقيمة ولدها. وقيل: يأخذ قيمتها يوم الوطء لا غير، وإن كان الشهود عدولا وقد شبه عليهم، ولم يكن له ما بيع من ماله سبيل، إلا أن يغرم الثمن للمبتاع، ويرجع به على البائع وبالله التوفيق.

.مسألة ينكح المرأة على أن يصدقها مائة دينار خمسين نقدا وخمسين بعد البناء:

وسئل عن الرجل ينكح المرأة على أن يصدقها مائة دينار: خمسين نقدا وخمسين بعد ابتنائه بها بسنة، فقال: أكرهه، وإن وقع لم أره مفسوخا. قيل له: لم أجزته وأنت لا تجيز النكاح إذا كان الصداق لغير أجل؟ وهذا لا يدري متى يبني، فهو الآن، كمن تزوج بصداق إلى غير أجل؟ فقال: إني سمعت مالكا يقول في الرجل يتزوج المرأة بخمسين دينارًا، وخمسين تكون حالة بعد الابتناء، فجوزه، فأنا أرى أن الذي يقول خمسين بعد الابتناء بسنة، إنما هو من وجه ما جوز من البيع بالتقاضي، وهو إلى غير أجل معروف، وكان الابتناء عنده معروفا لا يتباعد كما قد عرف من قدره. وما يكون بين الملك والابتناء من الزمان، فأنا أرى إذا وقع أن يمضي النكاح، فتكون الخمسون التي جعلت بعد الابتناء بسنة تحل عليه إذا مضى من الزمان ما يرى أن أهل بلده يبتني أكثرهم إلى مثله، ثم يؤخر بعد ذلك القدر سنة، فتحل عليه الخمسون، ولا يفسخ نكاحهما، ولا ينبغي للمرء أن يحمل النكاح محمل البيع في جميع الأمر، ألا ترى أن النكاح يحل بالرأس غير الموصوف، وشوار غير موصوف، فإذا وقع النكاح جعل لها رأسا من أوسط الخدم، وشوار نحوها في قدرها، وما يعلم أنه يكون شوار مثلها. قال سحنون مثله، وكذلك لو تزوجها بخمسين دينارا نقدا، وخمسين دينارا بعد ابتنائه بسنة، وخمسين دينارا إلى خمس سنين، كان النكاح جائزا، دخل بها أو لم يدخل، وقال أبو زيد بن أبي الغمر في مسألة سحنون: أرى أن يفسخ النكاح، ما لم يدخل بها، وإن دخل بها نظر إلى ما أعطاها من المؤجل إلى خمس سنين، فيقال: ما صداق مثلها على هذا المؤجل الذي يسمى لها إلى خمس سنين، فما كان من شيء قل أو كثر يضاف ذلك إلى المؤجل، فتأخذه نقدا، وكانت الخمسون إلى أجلها، وقال أصبغ فيها مثل قول أبي زيد إلى خمس سنين.
قال محمد بن رشد: جعل ابن القاسم في هذه الرواية حد الابتناء معروفا بالعرف والعادة، فأجاز أن يكون ابتداء أجل الكالئ منه، وأن يكون مؤخرا إليه على ما حكي عن مالك، وهو قوله في المدونة في الذي تزوج بخمسين وخمسين على ظهره، فقال: إن ذلك الذي على ظهره يحل بدخول الزوج عندهم، فهو جائز. وقال ابن المواز: إنما جاز ذلك؛ لأن الدخول حال، لو شاءت المرأة أن تدعوه إلى الدخول، لكان لها ذلك. وقول ابن القاسم أظهر، إذ لا يلزم الزوج الدخول بها من ساعته، إذا دعته إلى ذلك، وله أن يؤخر ما يشبه، ولا يكون على المرأة فيه ضرر إذا أجرى لها نفقتها، كما يكون لها من الحق أن تؤخر إلى ما يشبه إذا دعي هو إلى تعجيل الابتناء بها، وقد مضى القول على ذلك في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، وفي أول سماع عيسى من كتاب السلم والآجال: إن وقت الابتناء مجهول، فلا يكون أجلا للكالئ، مثل قول أبي زيد وأصبغ، وجه القول الأول.. ما احتج به ابن القاسم من أن النكاح أوسع من البيوع، ووجه القول الثاني.. قياس النكاح على البيوع. وقد قال مالك: أشبه شيء بالبيوع النكاح. وقول أبي زيد: فما كان من شيء قل أو كثر، يضاف إلى المؤجل، ظاهره كان أكثر من المعلوم والمجهول، أو أقل من المعلوم وحده، لا يعتبر بشيء من ذلك في صداق مثلها. وقد مضى الاختلاف في هذا في رسم يوصي من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.

.مسألة الرجل ينكح المرأة فيسمي لها صداقا مسمى على أن يحج بها من ماله:

وقال: في الرجل ينكح المرأة، فيسمي لها صداقا مسمى، على أن يحج بها من ماله، فقال: إن نظر في أمرهما قبل البناء، فأرى أن يفسخ نكاحهما؛ لأن هذا ليس من الصداق.
وقيمة ما ينفق على مثلها في حجها من الكراء والنفقة والكسوة، وما يتكلف لمثلها في حجها. قيل: أرأيت إن كان لم يجعل صداقها إلا الحج بها؟ قال: إن علم به قبل البناء فسخ، وإن فات أمرها فابتنى بها، رأيت أن يجعل لها صداق مثلها ولا تعطى ما ينفق على مثلها في الحج. وقد قال مالك في التي يكون صداقها شيئا معلوما والحج بها تموت قبل أن يحج بها وبعد البناء: إنه يعطي ورثتها ما كان ينفق على مثلها في حجها، وأنا لا أرى لهم إلا أن يحمل لهم مثلها إلا أن يتراضى الزوج والورثة على أمر يجوز بينهم، وذلك أنه كراء قد لزمه ولزمها، فإذا ماتت فإنما لورثتها عليه ما كان يكون لها في حياتها. ألا ترى أنها لو قالت له: إني لا أريد الحج فادفع إليّ ما كنت تنفق عليّ لو حججت، لم يكن ذلك لها، وكذلك لو أنه أراد أن يعطيها نفقة مثلها ويبرأ من حملها لم يكن ذلك له. فاشتراطها الحج كراء لها، وقد لزمها ولزمه، فورثتها بمنزلتها. قيل له: فالنكاح على أن يكون الصداق حملانها إلى بلد أو لخدمة عبد أو خدمة الزوج إلى أجل من الآجال. قال: لا أرى ذلك يجوز في الصدقات، ولا أحب أن يجب به النكاح، فإن وقع فسخته قبل البناء، وأجزت النكاح بعد البناء، ورددت الصداق إلى صداق مثلها، وأبطلت الأجرة والكراء كله من الصدقات.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها والكلام عليه في رسم لم يدرك من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى وبالله التوفيق.

.مسألة المعترض عن امرأته يفرق بينهما بعد انقضاء الأجل:

ومن كتاب المكاتب:
قال: وسألته عن المعترض عن امرأته، يفرق بينهما بعد انقضاء الأجل، ثم ينكحها نكاحا جديدا فيعترض عنها أيضا، فتريد فراقه، أيكون ذلك لها؟ قال: ذلك لها إذا قامت معه في الابتناء الآخر قدر ما تعذر فيما تدعي من اختيارها له وانقطاع رجائها منه، إذا كان العذر في ذلك بينا.
قلت: وما بيان ذلك؟ قال: أن يكون الرجل يطأ غيرها وإنما ابتلي بالاعتراض عنها، فتقول: رجوت أن يذهب الله ذلك عنه، وأن يكون قد تعالج أو نحو ذلك. فإذا كان على هذا فالفراق إليها بعد انقضاء أجل السنة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، على معنى ما في المدونة من أن العنّين إذا تركته امرأته ولم ترفعه إلى السلطان، وأمكنته من نفسها، ثم رفعته بعد ذلك، فلها أن تقول: اضربوا له أجل سنة؛ لأن الرجل قد يتزوج المرأة فيعترض عنها، وتكون له أخرى فيصيبها، فتقول: تركته وأنا أرجو؛ لأن الرجال بحال ما وصفت. وعلى ما حكى ابن حبيب أيضا من امرأة المعترض إذا صبرت عليه ثمّ بدا لها، فإن كان بحدثان ما كانت رضيت بالصبر عليه لشر وقع بينهما، فليس لها ذلك، وإذا بدا لها بعد زمان، وقالت: كنت رجوت أن ينطلق من اعتراضه، ويذهب ذلك عنه بالعلاج وغيره، فذلك لها. وكذلك تقول المرأة في هذه المسألة: إنما تزوجته وأنا أرجو أن يكون ذهب ذلك عنه بالعلاج، فيكون ذلك لها، وتصدق فيما ادعته، ويكون الفراق إليها بعد انقضاء عهدة السنة إذا لم يكن قيامها عليه بحدثان دخوله بها لشر وقع بينهما كما قال ابن حبيب، يريد بعد يمينها إن ادعى الزوج عليها، أنها أرادت فراقه لأمر وقع بينهما، لا للمعنى الذي قامت به وبالله التوفيق.

.مسألة تشترط عليه امرأته عند النكاح إن تسرى عليها فالسرية صدقة عليها:

قال: وسألته عن الرجل تشترط عليه امرأته عند عقدة النكاح، إن تسرَّى عليها فالسرية صدقة على امرأته، قال: إن علم هذا قبل البناء فسخ، وإن ابتنى بها فالشرط باطل ولا صدقة لها.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الشرط باطل، ولا صدقة لها، صحيح، على ما في المدونة، وهو المشهور في المذهب من أن الصدقة بيمين لا يحكم بها، وإن كانت لرجل بعينه، وحكم للنكاح بحكم ما فسد لصداقه من أجل أن للشرط تأثيرًا فيه، فيفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ويكون فيه صداق المثل. وهذا إن كانت التسمية في العقد على الشرط، وأما إن كان تزوجها على الشرط نكاح تفويض، دون تسمية صداق، ثم سمى لها بعد ذلك صداقا، فالنكاح ثابت، والشرط باطل، والصداق المسمى لازم. وفي المدنية لمحمد بن دينار أن الصدقة بالشرط تلزمه، وأنه إن أعتقها بعد أن اتخذها لم ينفذ عتقه، وكانت لها صدقة بالشرط. قال: وإن اشترط إن اتخذها فهي صدقة عليها وحرة، فاتخذها كان مخيرا بين عتقها والصدقة بها. ولابن نافع فيها، إن من باع سلعة من رجل وقال: إن خاصمتك فيها فهي صدقة عليك، فخاصمه فيها، أن الصدقة تلزمه، فعلى قولهما في لزوم الصدقة بالشرط، ينبغي أن يكون النكاح جائزا، والشرط لازما، كسائر الشروط اللازمة. واستدل بعض الشيوخ من هذه المسألة على أن من التزم لامرأته إن تسرر عليها فأمر السرية بيدها إن شاءت باعتها عليه وإن شاءت أمسكتها له، أن البيع لا يلزمه فيها، خلاف ما ذهب إليه ابن العطار. ووجه هذا الاستدلال أن الصدقة إذا كانت لا تلزمه فأحرى ألا يلزمه البيع، وليس ذلك ببين؛ لأن المعنى في الصدقة والبيع مفترق. وإنما الوجه في أن البيع لا يلزمه أنها وكالة منه لها على بيعها، وللموكل أن يعزل الوكيل على الوكالة متى ما شاء. هذا الذي حفظناه عن الشيوخ في ذلك، ولا يبعد عندي ألا يكون له أن يعزلها عن هذه الوكالة؛ لأنه لما نكحته على ذلك فقد أخذ عليها عوضا يلزمه، كالمبايعة، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم الجواب من سماع عيسى، فقف عليه وبالله التوفيق.

.مسألة البكر يغيب عنها أبوها الغيبة البعيدة أينكحها السلطان أو الولي:

ومن كتاب الأقضية:
قال يحيى: وسألت ابن وهب عن البكر يغيب عنها أبوها الغيبة البعيدة، إما أن يتخذ موضعه الذي غاب به وطنا، أو يتردد في تلك الناحية للتجارة، فتضيع، وتريد النكاح، أينكحها السلطان أو الولي؟ أم لا يجوز ذلك لغير الأب؟ أما إذا قطع الأب عنها نفقته، وأطال عنها غيبته، فإن إنكاح الولي أو الإمام إياها برضاها جائز، ثم لا يكون للأب أن يفسخ ذلك ولا أن يرده، قال: وإن كان الأب يجري لها النفقة لا زال يتفقدها ويرسل إليها بما يصلحها حتى تؤمن عليها الضيعة، فلا يجوز لأحد: إمام ولا غيره، أن يفتات على أبيها بإنكاحها إلا بإذنه ورضاه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الحكم فيها موعبا مستوفى في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته هنا وبالله التوفيق.

.مسألة يتزوج المرأة من مجوسية أو نصرانية في عدتها ثم يسلم الرجل وامرأته:

قال ابن القاسم: في الرجل يتزوج المرأة من مجوسية أو نصرانية في عدتها، ثم يسلم الرجل وامرأته: إنه لا يفرق بينهما.
قال محمد بن رشد: يريد إذا كان إسلامهما بعد أن انقضت العدة، وطئ فيها أو لم يطأ. وأما إن كان إسلامهما في العدة، فيفسخ النكاح إن كان العقد قبل أن تحيض حيضة، على ما في سماع أبي زيد، من أن المسلم إذا تزوج النصرانية بعد حيضة من عدة زوجها النصراني، لا يفسخ نكاحه. وعلى ما في كتاب ابن المواز لابن وهب، أن نكاحه يفسخ إن تزوجها قبل انقضاء الثلاث حيض، يفسخ نكاحهما إذا أسلما في العدة، وأما إن كان انعقد بعد حيضة أو حيضتين، وإن وطئ بعد إسلامه في العدة قبل أن يفسخ النكاح، لم تحل له أبدا على مذهب من يرى التحريم المؤبد بالوطء في العدة، وهو قول مالك وجميع أصحابه وبالله التوفيق.

.مسألة نكاح الرجل أمته التي أعتق إلى أجل بغير رضاها:

قال يحيى: أخبرني ابن القاسم أنه سمع مالكا يقول: ينكح الرجل أمته التي أعتق إلى أجل بغير رضاها ما لم يتقارب أجل عتقها، وما دام يجوز له أخذ مالها. قال: وقال مالك: لا يجوز له أن ينكحها إذا أعمرها رجلا ثم جعلها حرة بعد الأجل إلا برضاها، ولا يجوز ذلك للمحرم أيضا. قيل له: فالموصى لها بالعتاقة بعد أجل تخدم إليه، أللورثة أن ينزعوا مالها وينكحوها بغير رضاها؟ قال: ليس لهم من ذلك شيء بغير رضاها، لا ينكحونها ولا يأخذون من مالها قليلا ولا كثيرا، قرب أجل عتقها أو بعد. وقال سحنون مثله. وإنما منع الورثة أن ينزعوا مالها؛ لأنه به قومت في الثلث، فصار ذلك كعضو منها.
قال محمد بن رشد: جرى ابن القاسم فيما حكي عن مالك من هذه المسائل، وذهب هو إليه من رأيه، وتابعه عليه سحنون، على أصل واحد، وهو أنه إنما يجوز للرجل أن يكره على النكاح بحق الملك من يجوز له أن ينتزع ماله، فقال: إن للسيد أن ينكح أمته التي أعتق إلى أجل بغير رضاها ما لم يتقارب أجل عتقها، وما دام يجوز له أخذ مالها. وقال: إنه ليس له أن ينكح الأمة التي أعمرها رجلا وجعلها حرة بعد الأجل إلا برضاها، من أجل أنه لا يجوز له أن ينتزع مالها على ما في سماع ابن القاسم من كتاب الخدمة. وأما المخدم، فلا إشكال أنه ليس له أن يكرهها على النكاح، إذ لا حق له في رقبتها ولا في أخذ شيء من مالها. وقال في الموصى لها بالعتق إلى أجل: إن الورثة لا يكرهونها على النكاح كما لا ينتزعون مالها. وقد قيل: إنه إنما له أن يكره على النكاح بحق الملك من له أن يطأ، فعلى هذا لا يكره الرجل معتقته إلى أجل على النكاح قرب أجل عتقها أو بعد، إذ ليس له أن يطأها. وهو أحد قولي مالك في رواية أشهب عنه، فللرجل أن يكره مدبرته على النكاح باتفاق، إذ له أن يطأها وأن يأخذ مالها، وهو القياس في أم الولد، إذ له أن يطأها، ولا يأخذ مالها. وقد قيل: إنه لا يكرهها على النكاح، ومضى القول على ذلك في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وليس للرجل أن يكره المعتق بعضها على النكاح باتفاق، إذ ليس له أن يطأها ولا أن يأخذ مالها، وهو القياس في المكاتبة. وقد روي عن مالك أنه يجبرها على النكاح لما جاء من أن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء، ولأنه يملك رقه إذ له أن يعجز نفسه. وقوله: وإنما منع الورثة أن ينتزعوا مالها؛ لأنه به قومت في الثلث، فصار كعضو منها ليس بتعليل بين؛ لأن التقويم لا يقع على المال حقيقة، إذ لا يسمى عند التقويم، وإنما يقال: كم قيمة هذه الأمة بما لها من المال؟ دون أن يسمَّى أو يوصف، كما لا يقع الثمن على مال العبد إذا بيع بماله. ألا ترى أنه إذا استحق لا يجب به رجوع، وإنما يقوم معها من المال ما اكتسبته في حياة سيدها. واختلف هل يقوم معها ما اكتسبته بعد موته؟ فعلى هذا التعليل يكون للورثة أن ينتزعوا منها ما استفادته بعد التقويم وما استفادته بعد موت سيدها وقبل التقويم على القول بأنها لا تقوم به. وقد قيل: إن للورثة أن ينتزعوا مالها ما لم يقرب الأجل. وإن قومت به، وهو ظاهر قول غير ابن القاسم في كتاب الوصايا الأول من المدونة. وعلى قياس قول مالك في رواية مطرف عنه: إن من أعتق عبدا إلى أجل، أن ينتزع ماله وإن مرض، إذا كان الأجل بعيدا، ولورثته بعده أن ينتزعوه أيضا ما لم يقرب الأجل، إذ لا فرق في حق الورثة بين ما أعتق في حياته أو أوصى بعتقه من ثلثه بعد وفاته؛ لأن الثلث له حيا وميتا. وقد قيل أيضا: إنه ليس للورثة أن ينتزعوا مالها، وإن لم تقوم به، وهو قول ابن القاسم ها هنا وظاهر ما في الوصايا الأول من المدونة، وعلى قياس قوله في سماع أصبغ في الذي يعتق عبده إلى أجل، إنه لا يجوز له أن ينتزع ماله إذا مرض، ولا يجوز لورثته انتزاعه، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يخطب المرأة إلى وليها فتزوجه ثم تنكر المرأة أن يكون ذلك بعلمها:

ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر:
قال: وسألته عن الرجل يخطب المرأة إلى وليها فتزوجه ويشهد له، ثم تنكر المرأة أن يكون ذلك بعلمها أو رضاها، أتستحلف أنها ما علمت ولا وكلته بإنكاحها؟ قال: أما إذا كان الإشهاد ظاهرا وإطعام الوليمة وإشهار الأمر في دارها أو حيث يرى أنها به عالمة، فأرى أن تحلف بالله ما وكلته ولا فوضت إليه ذلك، وما ظنت أن اللعب الذي كان في دارها وحيث يرى أنها تسمعه وتعلم به، ولا الطعام الذي صنع بذلك الموضع، إلا لغير وليمتها ما علمت ما ادعى من نكاحها، ولا رضيته، ثم لا يكون عليها شيء، ولا يثبت ذلك النكاح. قال: وأما الشيء للذي يُرى أنها لم تقارب علم ذلك، مثل أن يشهد القوم في المسجد وما أشبه ذلك، فلا أرى أن تحلف فيه.
قلت: إذا كان الأمر المشهور الذي رأيت عليها فيه اليمين إن نكلت، لزمها ذلك النكاح، فقال: نعم نكاحها على اليمين مع اشتهار الأمر وظهور الأسباب التي يستدل بها على علمها ورضاها، يوجب ذلك النكاح عليها، وأما ما كان على غير ذلك فلا أرى عليها شيء؛ لأنه لا يشأ رجل أن يتوقع امرأة فيلزمها اليمين في مثل هذا، إلا فعل، فلا أرى ذلك عليهن.
قال محمد بن رشد: قد قيل إنه لا يمين عليها في دعوى الرضا بالنكاح؛ لأنها إذا نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح. وقيل إنها تحلف رجاء أن تقر، فإن حلفت سقط عنها النكاح، وإن نكلت لم يلزمها النكاح. وتقسيمه في هذه الرواية بين أن يكون ثم سبب يدل على علمها أو لا يكون، قول ثالث في المسألة. وقوله: إن النكاح يلزمها إن نكلت على اليمين مع ظهور الأسباب، يريد مع يمين الزوج إن كان حقق الدعوى عليها. وأما إن كان لم يحققه عليها فعلى الاختلاف في رجوع يمين التهمة والله أعلم. وقد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.